الخميس، 9 يناير 2014

ما لم يخبرني به أبي عن الحياة



 ما لم يخبرني به أبي عن الحياة
الكاتب كريم الشاذلي
هو عبارة عن دروس من الحياة ووقفة تأمل لما لم تخبرنا به الأيام, ومشاهدات لمواقف تاريخية, وتدبر لما مر به السابقين.
أخترت لكم منه هذه المقالة


عندها فتش عن حيلة!
أصحاب الرسالات الكبيرة والأهداف العظيمة والأفكار الجريئة دائماً ما تواجههم مشكلة ليست بالهينة وهي اصطدامهم بعقول لا تقبل الاعتراف بالحق وتسفه ما يملكونه أو يدعون إليه. تصبح المشكلة شديدة على النفس إذا صاحبها نوع من التهديد أو المحاربة, حينها يكون على المرء أن يتدبر أمره.
يقول ربنا عز وعلا في سورة الحجر { وَلَو فَتَحْنَا عَلَيهِم بَابَاً مِنْ السّمَاءِ فَظَلّوا فِيهِ يَعْرُجُون* لَقَالُو إنّمَا سُكّرَت أبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَومٌ مَسْحُورُون}
في هذه الآية الكريمة يلفت ربنا جل اسمه انتباهنا إلى أن هناك نوعاً من العناد يتملك البشر ويملك عقولهم لدرجة تدفعهم إلى الكفر بأي حقائق مهما بدت واضحة, حتى وإن اضطرهم العناد إلى اتهام أنفسهم بالوقوع في السحر -كما في الآية- على أن يعترفوا بالحق الواضح المبين.
وفي موقف كهذا, يقف المرء في حيرة متسائلاً عن الطريقة المثلى في إقناع أذهان بلغ بها التعصب حداً لا يمكن التعامل العقلي الناضج معه.
ولدي حيلة علها تنفعك آنذاك يا صديقي:
في الحقيقة أنه في أوقات كثيرة تكون المشاعر الشخصية والخلفية الثقافية والبعد النفسي أقوى من المنطق والعقل! فنجد الواحد منهم يصر بشكل كبير على أن يتمسك بالشيء الذي يعرفه ويطمئن إلى نتائجه- حتى وإن كان سيئاً- خشية أن يغير ويجرب الشيء الجديد المثير والإنسان كما يقولون عدو ما يجهل.
هنا قد تفيدك الحيلة والمداراة.
نعم .. من الذكاء والفطنة أن تداري وتبحث عن حيلة إلى أن يصطدم العقل وحده بالحقيقة ولا يجد بداً من الإذعان إليها.
ولكي أوضح لك ما أريده دعني أقص عليك تلك القصة التي حدثت في القرن الثامن عشر في بريطانيا, وخبرها أن (كريستوفر فرين) كان رجلاً عبقرياً فذاً متبحراً في جميع العلوم والمعارف خاصة فيما يتعلق بالرياضة والفلك والهندسة. وذات يوم كلفته البلدية في مدينة (وستمنستر) ببناء دار فخمة لها, وعندما قام الرجل بعرض الخرائط الهندسية للدار التي رسمها, اعترض عمدة البلدة وقال له: إنني أخاف من سقوط الطابق الثاني حسب هذا الرسم الذي تعرضه. فظهر جلياً أن العمدة لديه قناعات سابقة بأن الطوابق العليا شيء خطير ونسبة وقوعها عالية. حاول كريستوفر أن يقنعه بأن الأمر مجرد خيالات وتدلل على تفاهتها تلك البيوت الشاهقة في المدينة ولكن العمدة ظل على رأيه. هنا أدرك كريستوفر ان الحقائق لا تلعب الدور الأساسي وأن المعطيات العلمية وقوانين الهندسة والبناء لن تنجده ولكن عليه أن يتجه إلى حيلة. فسأله عن تخوفه وماذا يريد, فأجابه العمدة بأنه يريد وضع عمودين في الطابق الأول في المكان الفلاني كي يدعم الطابق الثاني. وبالرغم من أن العمودين هندسياً ليس لهما فائدة تذكر إلا أن كريستوفر هز رأسه بالإيجاب وهو مقتنع تماماً أن حجته لن تقنع الرجل ولن تزيل مخاوفه. وقام كريستوفر بإنجاز البناء على أحسن وجه وأقام العمودين على النحو الذي اشترطه عمدة البلدة, ومرت الأيام وبعد عدة سنوات حدث في البناء ما تطلب بعض التجديدات فيه وكانت دهشة العمال عجيبة حينما لفت نظرهم وجود العمودين في الطابق السفلي وهما ينتهيان تحت السقف بعدة سنتيمترات.
فما الذي فعله كريستوفر؟!
لقد نفذ شكلياً أوامر العمدة ولكنه من ناحية أخرى أثبت له خطأه والذي تأكد بعدما رأى بنفسه -بعد عدة سنوات- أن العمودين لم يكن لهما أدنى فائدة في بقاء البيت سليماً.
إننا في الحقيقة نحتاج إلى حيل من هذه النوعية في التعامل مع الأذهان المغلقة العنيدة, نحتاج أن نهرب من صدام لن نجني من خلاله أدنى فائدة, اللهم إلا القلق والتوتر. وقديماً قال أجدادنا لمن أعيته الحيل: إذا لم تجد حيلة .. فاحتل!
لا تقف كثيراً أمام صلابة موقف محدث ولا تنحت في الصخر. فكر وتدبر وحاول أن تلتف حول الأمر من جميع الاتجاهات وتخترع الحيل والحلول. في عملك وفي بيتك, مع زوجك أو رئيسك أو أصدقائك.
قد تقابل مثل هذا الموقف, وقد تتعبك صلابة التفكير حينها.. فتش عن حيلة!


بقعة ضوء
من المعضلات توضيح الواضحات!!





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق